المقال الثاني
رضاع النبي صلى الله عليه وسلم
إعداد:أبو الحسن علي ندوي
أرضعته ثويبة، جارية أبي لهب -عمّ النبي- لبِضْعَة أيامِ حين كان عبد المطلب يواصل البَحْث عن مرضعة تقوم بتَرْبِية حفيدِه المحبوب. وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم. فإلى جانب الرضاعة، كان الأطفال يتلقون اللغةَ العربية الفصيحة السائدة في الصحراءِ.
وكانت قبيلة بني سعد معروفة بفصاحتهم. وحليمة السعدية التي هي أحد أفراد هذه القبيلةِ، جاءت إلى مكة لالتماس رضيع ترضعه. وذلك في سنة شهباء لم تبق لهم شيئًا. قدمت نسوة من بني سعد إلى مكة المكرمة يلتمسن الرضعاء وما منهم امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنهن كنّ يرجنّ المعروف من أبي الصبي. وكانت تقول: "يتيم! ماذا سَيُقدِّمُ أمّه وجَدّه في المقابل؟" وكانت حليمة امتنعت في أول الأمر عن أخذه إلا أنها كرهت أن ترجع بدون رضيعَ إذ لم تجد سواه الأمر الذي جعلها تأخذه. لما أخذته وجدت من بركته شيئا كثيراً. وكان ثديها تفيض بالحليبِ، وضروع ناقتِها ممتلئة، وينزل عليها الخير من كُلّ جهة. أشاعتْ نِساءُ قبيلةِ حليمة هذا الخبر ويقلن إنّ حليمة قد وجدت طفلاً مباركا وبَدأن يرغبن فيما عندها.
فمكث صلى الله عليه وسلم في بني سعد سنتينَ مدة الرضاعة، و كان الرّضعاء يَعُودون إلى عوائلِهم بعد هذه المدةِ. إضافةً إلى هذا كَانَ الولد يفوق الأطفالِ الآخرينِ في نموٍّه، وفي سنتين من عمره أصبح طفلا كبيرا. فذهبت به حليمة إلى أمه آمنة لتطلب منها أَنْ يبقى عندها مدة أخرى لما جَلبَ عندها من بركات. فوافقتْ أمنة وأذنت لها بالعودة مع محمد (صلى الله عليه وسلم).
بَعْد الشهورِ من عودتِه إلى بني سعد، جاءه ملكان فأخذاه و شقّا صدره (صلى الله عليه وسلم)، و فَتحاه وانتزعا منه علقة سوداء. ثمّ غسلا قلبَه وأعاداه إلى صدره و برئ الجرحَ.
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقوم برعاية الأغنام مَع إخوته من الرّضاعةِ في البادية والصحراءِ، بعيدا عن رياء ونفاقِ وبهاءِ وفخرِ المدينةِ، حيث أصبحتْ أفكاره نقيّة مثل هواءِ الصحراء. وكَانتْ حياته وضيعة. وفي هذه الظروف الصعبة تعلّمَ تَحَمُّل المشاقِ والأخطارِ.
ومَع بني سعد، إعتادتْ آذانه على الخطاباتِ واللغةِ العربية الفصيحة الصافيةِ والأصليةِ للبدو. كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول لأصحابه : "أَنا أعرب العرب ولدت في قريش و نشأت في بني سعد ابن بكر."
http://www.mercyprophet.org/detail.php?siteid=1117